يكتسي الحديث عن الطالب المغربي وعلاقته بسؤال النهوض الحضاري طابعا خاصا، من حيث آليات البحث العلمي المتوفرة من جامعات ومناهج تدريس وجو عام يحث على التحصيل المعرفي من جهة، ومن جهة ثانية:وضع اجتماعي يضمن به الطالب الحد الأدنى من الاستقرار، ناهيك عن باقي العوامل والظروف المختلفة الأخرى المتعلقة بالجوانب الحقوقية والقيمية والتربوية والبيداغوجية... وإذا كان البحث العلمي بدول العالم الثالث1 يقل بكثير عن نظيره في النصف الشمالي للكرة الأرضية، فإن الكثير من التجارب العلمية المنسوبة للأشخاص في دول الجنوب-ومن بينها المغرب- أثبتت جدارتها وريادتها المعرفية، لكن تبقى حالات استثنائية تحتاج للدعم والرعاية اللَّذيْن تجدهما متوفرين عند الآخر، فيكون مصيرها الهجرة والعمل في مشاريع الغرب الثقافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية...، ويكفي للتدليل على ذلك أن المغرب يحتل المركز الثاني لهجرة الأدمغة في منطقة "مينا" (الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط) لسنة 2010، وأن أي طالب مغربي لو عُرضت عليه فكرة الهجرة لكان رده بالإيجاب والقبول، بل هناك الآلاف لا يزالون يكررون المحاولة تلوى الأخرى للهجرة ومغادرة التراب الوطني طلبا للقمة العيش أو تحسين مستقبلهم العلمي. ليبقى سؤال مساهمة الطالب المغربي في مشروع النهوض الحضاري مشروعا، في ظل ضعف المردودية المعرفية للجامعة المغربية وانحدار مستوياتها العلمية سنة بعد أخرى، وعدم كفاءة من تخرج من "الأطر" لضعف تكويناتهم الأساسية و"تقليدانية"2 مناهج التدريس، واستهلاك طاقاتهم الحيوية في مسلسلات "الإصلاحات" المتوالية للمنظومة التربوية والتعليمية، التي تجعل من الطالب مجرد حقل للتجارب المتتالية، تنزل بشكل عمودي لتقصم القشة التي لا تزال تحفظ ماء وجه الجامعة المغربية، في غياب لنفس عام وطني مسؤول لإنقاذ التعليم كقطاع حيوي منتج وليس تَصْنيفه ضمن القطاعات المُستهلِكة، والذي جاء دور "مرتزقة" "رفاق" السبعينات بشعاراتهم الرنانة لتنزيل مشاريع هيمنية واقصائية لاوطنية ولاديمقراطية وأضحوا بيادق في أيدي متمرسين سابقين في أجهزة الداخلية ضد ما يسمونه "الزحف الإسلامي" فتحالف الكل من "يسار" و"يمين" وأصحاب مصالح ولصوص ومروجي المخدرات ليضعوا مستقبل المغرب في يد ومصالحهم الشخصية في اليد الأخرى، فيبدأ تبعا لذلك مسلسل التنازلات والتنافس على الامتيازات، بدل التفكير في الاستثمار في الرأس المال الحقيقي المتجلي في الشباب وللتدقيق الفئات المتعلمة من الشباب. بكلمة، إن ملحاحية تطوير نُظمنا التعليمية بما يتناسب وطموحات الأمة في الريادة الحضارية بما هي أولا أمة استخلاف وأمة شهادة وأمة وسط، لهو السبيل الكفيل لإخراجنا من مأزق التبعية الشعورية والمادية للغرب، وهذا لن يتأتى إلا بمزيد العناية بالفئات المتعلمة بتحسين أوضاعها الاجتماعية أولا، ثم بتحسين جودة العملية التعليمية/التعلًّمية لتوافق ما وصلت إليه الأمم المتقدمة دون انبهار وذوبان كلي يجلب "استتباعا ثقافيا وحضاريا"، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن انتظاره من نخبنا الفاسدة، بل هو مأمول من نخبة وطنية صاعدة لا تجد غضاضة في التشبث بمقومات الأمة الحضارية وفي نفس الوقت تحاول جهد الإمكان الاستفادة من الآخر في حدود التواصل العلمي والمعرفي في أفق تحقيق الشهود الحضاري المنشود للأمة، ليكون الطالب الرحى التي تحرك عجلة التحديث في كل مستوياته (الحقوقية السياسية) و(التقنية المادية) و(المعرفية العلمية الصرفة)... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 كانت تسمى "دول فقير" لكن حربائية الغربيين حولت الاسم إلى "دول العالم الثالث" لما للإسم الحقيقي من دلالات عميقة في تبيان التوحش الغربي الذي ينعم بالملذات ويترك جياع إفريقيا يموتون ببطء في استغلال فاضح للثروات الطبيعية لهاته الأخيرة (بترول،ذهب،مواد فلاحية...) 2 أي مناهج تقليدية لا تواكب مستجدات الساحة العلمية، إذ لازال الطلبة يدرسون نظريات عفا عنها الزمن، وفي كثير من الأحيان يدرسونها بحيث يخيل لهم أنها مسلمات وقطعيات ثابتة، وأكثر من ذلك ماتزال مناهج التدريس في جامعاتنا تعتمد الحفظ بدل تنمية ملكات التفكير والاستدلال والاستنباط والنقد، وهذا هو الفرق الجوهري بين أنظمة التدريس الفرنكوفونية والأنكلوساكسونية، حيث أن في الأخيرة -مثلا- يكون الطالب هو مُعد الدرس بدل الأستاذ الذي يكون موجها وراعيا للطالب منذ سنواته الأولى إلى غاية التخرج.عكس الأولى الذي يقوم فيها الأستاذ بكل شيء تقريبا فلا يدع للطالب متنفسا للإبداع والتطوير والبحث...
abou_imane Admin
عدد المساهمات : 188 تاريخ التسجيل : 05/01/2011 العمر : 44
موضوع: رد: الطالب المغربي وسؤال النهوض الحضاري السبت 19 فبراير 2011 - 17:25