قصة السمكات الثلاث

تحكي القصة أن غديراً كان فيه ثلاث سمكاتٍ: كيسةٌ، وأكيس منها، وعاجزةٌ؛ وكان ذلك الغدير بمكان معزول عن الناس، لا يكاد يقربه أحدٌ، مشكلا بركة جميلة، تحفها شجيرات صغيرة، وخضرة تكسو المكان، وكان بجانب ذلك الغدير نهر جارٍ.

كانت السمكات الثلاث يسبحن فيه مستمتعات بالحياة، يلهون ويلعبن و يتكاثرن، Laughing

حتى كان ذلك اليوم الذي اجتاز فيه ذلك النهر، صيادان فأبصرا الغدير، ونظرا إلى السمكات، وهن منهمكات في لهوهن، ولعبهن، فسال لعابهما، لمنظر السمكات في الماء المترقرق في الجدول، فتواعدا أن يرجعا إليه بشباكهما، فيصيدا ما فيه من السمك. سمعت السمكات قولهما فرَوَّعهن الخبر، وبدأن بالتفكير في طريقة للنجاة من هذه الورطة؛ فأما أكيسهن Wink

لما سمعت الخبر، ارتابت، وتخوفت ولم تنشغل بشيء إلا بكيفية الخروج من البركة، فلم تزل باحثة عن طريق الخلاص، حتى اهتدت إلى جدول ضيق يربط البركة بالنهر الكبير، فسبحت من خلاله، ثم ما هي إلا لحظات، حتى كانت في بحر النجاة.
وأما الكيسة؛ : Surprised

فإنها قالت: لا بأس، سأنتظر حتى أحزم أموري، فإن الجدول الذي يربط بركتنا بالنهر لن يبرح مكانه، فإذا جاء الصيادان، فسأصنع مثل ما صنعت السمكة الأولى ثم إن الصيادين ما لبثا أن رجعا وبصحبتهما صنارتيهما، يبحثان عن السمكات الثلاث الكبيرات.

فلما رأتهما الكيسة، وعرفت ما يريدان، ذهبت لتخرج من حيث يدخل الماء من النهر إلى الغدير؛ فإذا بالصيادين قد سدا ذلك المكان، فحينئذٍ قالت: فرَّطتُ، وهذه عاقبة التفريط؛ فكيف الحيلة على هذه الحال!؟ وقلما تنجع حيلة العجلة والإرهاق! غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي، ولا ييئس على حال، ولا يدع الرأي والجهد مهما كانت الظروف والأحوال.

ثم إنها اهتدت إلى حيلة، فتَماوَتَت، وطفت على وجه الماء؛ منقلبة على ظهرها تارة، وتارة على بطنها، فأخذها الصيادان فوضعاها على الأرض بين النهر والغدير؛ فلما نظرت حولها، رأت المضيق المائي بجانبها، فما كان منها إلا أن قفزت بكل ما أعطاها الله من القوة، فاستقرت على سطح الماء، ومازالت تجدف بزعانفها، حتى وصلت إلى النهر، فغاصت في لججه، غير مصدقة بالنجاة.
وأما العاجزة

فما تزلْ في إقبال وإدبار، تراوح مكانها: لعل الصيادين كانا يمزحان، وربما لن يأتيا، ولئن جاءا فلن يتمكنا مني؛ فأنا أبرع وأعلم من أن يمسكا بي بصنارتيهما، فما تزل كذلك في ترددها حتى صيدت، فصارت وليمة شهية عند الغذاء.

هذه حال الناس، كما يقول دمنة، في قصة ابن المقفع الشهيرة، فالرجال ثلاثة نفر؛ حازم وأحزم منه، وعاجز، فأما الأول؛ فهو من إذا وقع به الأمر، لم يدهش له، ولم تعي به حيلة، وإنما فكَّر، ودبَّر، وأوجد المخرج منه.

وأما الثاني: فهو المتقدم ذو العدة، الذي يُدبر للأمر قبل حدوثه، فيجد الدواء قبل حدوث الداء، ويدفع الحادث قبل وقوعه، فهو يعالج الأسباب، ويضع الخطط، ويتهيأ للمستقبل.

وأما العاجز؛ فهو في تردد، وتمني، يضيع حياته في الأحلام ووقته في الأماني، ولاينجز من ذلك شيئا، فهو في غفلة، لا يستفيق منها إلا و الخراب على أم رأسه.

وفي الحديث:"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز(وفي رواية والأحمق) من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"، وعن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال Sad

إن أكيس الكيس التُّقى، وأعجز العجز الفجور).

وفي القرآن الكريم:"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"، "فاقصص القصص لعلهم يتفكرون".

--------------------------------------------------------------------------------

بوركت اخي جمال قصة في قمة الروعة فيها عبرة رائعة جزاك الله خيرا

حفظك الله أختي الكريمة زهرة الإسلام قصة السمكات الثلاث Aliensea