عدد المساهمات : 43 تاريخ التسجيل : 13/04/2011 العمر : 48 الموقع : chtaiba_jamal.maktoobblog.com
موضوع: دكتاتورية الإعلام الأربعاء 21 سبتمبر 2011 - 3:44
الدكتاتورية مرض قاتل للأبدان، مزهق للأرواح، ولكنه أيضا مدمر للأفكار والعقول، مخرب للنفوس والقلوب، لكن الديكتاتورية انتقلت من أيدي الحكام؛ عاد "التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد" . انتقلت من أيدي هؤلاء، إلى أيدي أولئك الذين سيطروا على الشعوب بأنواع جديدة من أنواع الفساد، التي لم يخلق مثلها في البلاد؛ لقد أضحت وسائل الإعلام أصناما يظل الكثيرمنا لها عاكفين، تماثيل كأصنام قريش نعلم أنها لا تضر ولا تنفع، ورغم ذلك نمضي ساعات طوال مسمرين أمامها، سحرتنا بإشهاراتها الخادعة، وتحليلاته الكاذبة ومعطياتها الخاطئة ، ونحن نعلم أنها كذلك ولكن لا قدرة لنا على مقاومة سحرها، ولسان حالنا يقول:"لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين" ، لكن السحرة كانوا هم الأعلم بتفاهة ما يصنعون، ولذلك كانوا أول من أسلم مع موسى لله رب العالمين، ونحن نرى تحول رجال الأعمال إلى الاستثمار في القنوات الثقافية والفكرية، ونرى تحول القنوات من اتباع السحر إلى الإسلام لله رب العالمين. لقد كان اختراع المذياع نصرا مؤزرا وفتحا عظيما، كانت الأسرة، بل العائلة كلها تجلسة مصغية إلى أحاديثه وتمثيلياته، وجده وهزله، ثم ظهرت الصورة على شاشة التلفزة، فكانت في نظر الكثير آية كبرى، ومعجزة عظمى، لكن سرعان مانسخ الكمبيوتر والأنترنيت هذا العهد العتيق،"وما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" . كان الناس يقفون بالساعات يستمعون لخطاب القائد الملهم، والزعيم المفدى بدون ما يشعروا بالملل أو التعب، والآن يمضي أحدنا بضع ساعات في تصفح الشبكة العنكبوتية، وهو يحسب أنه أمضى دقائق معدودة، حتى إن المرأ ليتساءل تحت أي مخدر كان، وأي قوة سيطرت عليه طوال تلك المدة!؟ إن المتأمل ليجد أن لوسائل الإعلام هذه تأثيرا كالسحر، لا يفيق منه الإنسان إلا بعد فوات الأوان، ثم إذا ماتاب منه عاد إليه مرة أخرى، فيتساءل أين عقله!؟ أين فكره!؟ لكن بعد أن يكون سبق السيف العذل. كان الأطفال إلى عهد قريب جدا يصنعون ألعابهم بأيديهم، ويلعبون بها مع أصدقائهم في الأزقة والشوارع، أما اليوم فالألعاب هي التي تصنع الأطفال، والأطفال اليوم ليسوا مطالبين بأن يلعبوا مع أحد، بل الكل يلعب وحده، واللعبة الآن ليست حركات جسمية يتمرن فيها كل البدن كما كان في الماضي، بل الألعاب اليوم لا تمرين بدني فيها، إذ الطفل فيها معاق بدنيا، فليس هو الذي يتحرك وإنما شخصية اللعبة، وعنصر الإبداع غائب تماما، واللعب صارت مبلدة للعقول على حد تعبير هربرت شيللرحينما تحدث عن مثل هذه البرامج ، والذكاء عند الأطفال أصبح في خطر، بل وعند الكبار أيضا ، وأصبح الإنسان معتمدا بالكلية في ثقافته وفهمه للأمور على وسائل الإعلام هذه، فما صوّبته فهو صواب وما خطّأته فهو خطأ، وليس لأحد القدرة على الاعتراض أو البحث عن مصادر بديلة للثقافة والوعي بالأمور التي تحدث أمام عينيه"وكأي من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" صم بكم عمي فهم لا يبصرون، يجعلون أصابعهم في آذانهم، ويستغشون ثيابهم ويصرون، ويستكبرون استكبارا، لكن أخشى ما نخشاه بعد كل هذا هوالطوفان الذي قد يأتي على الأخضر واليابس؛ الإنترنيت يدخل إلى البيوت يوما بعد يوم، وثقافة الناس عن الإنترنيت محصورة في أمور لافائدة منها البتة: الشات، والأغاني، والأفلام، والألعاب، هذا فضلا عما هو قبح محض وشر مستطير، وعما قريب نرى ما لا عين رأت، ونسمع مالا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولكن في جانبه السلبي؛ تقول إحدى الباحثات بأن معظم وسائط الإعلام الجماهيرية تجاوزت الحدود؛ بحيث تقدم كل أنواع الأفلام والصرعات الموسيقية، والأعمال اللاأخلاقية، والعنفية لا يعنيها من الأمر سوى الربح المادي مدمرة الشباب ، فهناك إذن تدمير لأجسام الأطفال والشباب، وتدمير لعقولهم، وتدمير لأخلاقهم وقيمهم، مما "أوقع الشباب في حيرة، فتاهوا في سعيهم..لذا تراهم غير مستقري المواقف والمشاعر شأنهم التبدل والانقلاب..وإذا بهم يزدادون تبعية حتى العبودية إلى أجهزة التلفزة" . وما يقال عن التلفزيون يقال الآن عن الإنترنيت؛ عبودية واستسلام للشاشة تدمر أجسادنا، وعقولنا وأخلاقنا، وهذا ما نلمسه في الشباب المعاصر من اضطراب و عدم انتباه.. وضعف القدرة على التركيز.. والتسرع والاستعجال، بحيث تحول المشاهدون إلى كائنات تابعة، صامتة، فاقدة الثقافة؛ فقد أوضحت إحدى الدراسات أن تعرض الأطفال لبرامج مكثفةجعل تفكيرهم جامدا .