مثل الطير...

في عالم الطير عبر وآيات للسائلين، ولايزال الإنسان-مذ وجد على ظهر البسيطة- يستفيد من هذه الكائنات العجيبة؛ فلما قتل ابني آدم أحدهما الآخر، عجز القاتل عن أن يكون مثل الغراب فيواري سوءة أخيه، فأصبح من النادمين الخاسرين.
وسليمان النبي، لما تفقد الطير، قال:"مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين"، فتوعده بالذبح والعذاب الشديد إن لم يأتيه بسلطان مبين، والعجيب أن الهدهد لم ينزعج من هذا الوعيد الشديد، بل جاء مفتخرا "أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين" في إشارة إلى تفوق عالم الطير على عالم البشر في الكثير من الأحيان.
يروى أن صوفياً خرج إلى الصحراء متعبداً، فرأى في طريقه طائراً أعمى كسير الجناح، فوقف يتأمل الطائر، ويفكر كيف يجد رزقه في هذا المكان المنقطع؛ فلم يمض وقت طويل حتى جاء طائر آخر، فأطعم الطائر كسير الجناح كما يطعم الحمام فراخه، فعجب الصوفي وقال في نفسه: فيمَ أسعى وأتعب؟
ثم أوى الرجل إلى غار، لكي يمكث فيه، متعبدا لله دهره كله، مادام أن الرزق يأتي به الله، فسمع به أحد العارفين، فذهب إليه، وقال له: ما حملك على القعود في هذه الغار؟ فقصّ عليه قصته…فقال له: ويلك!! لمَ أحبَبتَ أن تكون أنت هو الطائر الأعمى؟! هلاّ فعلت ما فعل الطائر السليم الذي أتى بالطعام، فتسعى لكسب الرزق لنفسك وغيرك؟
فرأى الصوفي صدق هذه النصيحة، وترك غاره، وغدا يسعى كما تسعى الطير التي تغدوا خماصاً وتروح بطاناً...وفي الحديث "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا". مثل الطير... Right

فرزق الطير من أعجب وألطف الرزق، وفيه أمران مهمان؛ أولهما خلوها من مصدر معروف للرزق، فليس للطير مقر وظيفة أو عمل تتوجه إليه كل صباح. ثانيهما حرصها الشديد على الخروج في الغداة، مبكرة إلى طلب رزقها.
إن الطير تدهشنا بصدق توكلها، كما تدهشنا بكثرة سعيها، وهما أمران متلازمان حقيقة؛ فكونها في قمة التوكل على الله، جعلها تظل نهارها كله ساعية في البحث عن رزقها، الذي تعتقد جازمة أن الله كتبه لها في نهارها ذلك.
توكلت في رزقي على الله خالقي ..... وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزقي فليس يفوتني ..... ولو كان في قاع البحر الغوامق
وفي الحديث أن رجلا جاء يسأل الناس صدقة، فقال له النبي الكريم هل في بيتك شيء؟ قال بلى، حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيها الماء، قال ائتني بهما، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله بيده، ثم قال من يشتري هذين؟..قال رجل أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الرجل، وقال اشتر بأحدهما طعاما...واشتر بالآخر قدوما فأتني به، ففعل. فأخذه رسول الله، فشد فيه عودا بيده، وقال اذهب فاحتطب... فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال اشتر ببعضها طعاما، وببعضها ثوبا.
وفي الحديث الآخر"والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب على ظهره...فيبيعه، فيأكل منه، ويتصدق منه، خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله، فيسأله، أعطاه، أو منعه". فالاحتطاب، كما يقول هنري فورد، يدفئك مرتين، مرة عندما تكون تجمعه، ومرة عندما تشعله.
وفي سورة النحل "ضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير، هل يستوي هو ومن يأمر بالمعروف وهو على صراط مستقيم" و"ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون".
[/size] مثل الطير... Hrka60