قوله : إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى لهذه الجملة من حيث البحث جهتان: نتكلم أولاً على مافيه من البلاغة:
فقوله: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فيه من أوجه البلاغة الحصر، وهو:إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه،وطريق الحصر: إِنَّمَا لأن (إنما) تفيد الحصر،فإذا قلت: زيد قائم فهذا ليس فيه حصر، وإذا قلت: إنما زيد قائم. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا أو امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيهِ من البلاغة: إخفاء نية من هاجر للدنيا، لقوله: فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْه ولم يقل: إلى دنيا يصيبها، والفائدة البلاغية في ذلك هي: تحقير ما هاجر إليه هذا الرجل، أي ليس أهلاً لأن يُذكر، بل يُكنّى عنه بقوله: إلى ما هاجر إليه.
وقوله: مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ الجواب: فَهِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فذكره تنويهاً بفضله، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا أو امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيه ولم يقل:إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، لأن فيه تحقيراً لشأن ما هاجر إليه وهي: الدنيا أو المرأة.
أما في اللغة فنقول:
الأعمال جمع عمل، ويشمل أعمال القلوب وأعمال النطق، وأعمال الجوارح، فتشمل هذه الجملة الأعمال بأنواعها.
فالأعمال القلبية: مافي القلب من الأعمال: كالتوكل على الله، والإنابة إليه، والخشية منه وما أشبه ذلك.
والأعمال النطقية: ماينطق به اللسان، وما أكثر أقوال اللسان، ولاأعلم شيئاً من الجوارح أكثر عملاً من اللسان، اللهم إلا أن تكون العين أو الأذن.
والأعمال الجوارحية: أعمال اليدين والرجلين وما أشبه ذلك.
الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ النيات: جمع نية وهي: القصد. وشرعاً: العزم على فعل العبادة تقرّباً إلى الله تعالى، ومحلها القلب، فهي عمل قلبي ولاتعلق للجوارح بها.
وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ أي لكل إنسانٍ مَا نَوَى أي ما نواه.
والمقصود من هذه النية تمييز العادات من العبادات، وتمييز العبادات بعضها من بعض.
* وتمييز العادات من العبادات مثاله:
- أولاً:الرجل يأكل الطعام شهوة فقط، والرجل الآخر يأكل الطعام امتثالاً لأمر الله عزّ وجل في قوله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ) (الأعراف:الآية31) فصار أكل الثاني عبادة، وأكل الأول عادة
- ثانيا: الرجل يغتسل بالماء تبرداً، والثاني يغتسل بالماء من الجنابة، فالأول عادة، والثاني: عبادة، ولهذا لوكان على الإنسان جنابة ثم انغمس في البحر للتبرد ثم صلى فلا يجزئه ذلك، لأنه لابد من النية،وهو لم ينو التعبّد وإنما نوى التبرّد.
ولهذا قال بعض أهل العلم: عبادات أهل الغفلة عادات، وعادات أهل اليقظة عبادات. عبادات أهل الغفلة عادات مثاله: من يقوم ويتوضأ ويصلي ويذهب على العادة. وعادات أهل اليقظة عبادات مثاله: من يأكل امتثالاً لأمر الله، يريد إبقاء نفسه، ويريد التكفف عن الناس، فيكون ذلك عبادة. ورجل آخر لبس ثوباً جديداً يريد أن يترفّع بثيابه، فهذا لايؤجر، وآخر لبس ثوباً جديداً يريد أن يعرف الناس قدر نعمة الله عليه وأنه غني، فهذا يؤجر. ورجل آخر لبس يوم الجمعة أحسن ثيابه لأنه يوم جمعة، والثاني لبس أحسن ثيابه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فهو عبادة.
* تمييز العبادات بعضها من بعض مثاله:
رجل يصلي ركعتين ينوي بذلك التطوع، وآخر يصلي ركعتين ينوي بذلك الفريضة، فالعملان تميزا بالنية، هذا نفل وهذا واجب، وعلى هذا فَقِسْ.
* إذاً المقصود بالنيّة: تمييز العبادات بعضها من بعض كالنفل مع الفريضة، أوتمييز العبادات عن العادات.
واعلم أن النية محلها القلب، ولا يُنْطَقُ بها إطلاقاً، لأنك تتعبّد لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله تعالى عليم بما في قلوب عباده، ولست تريد أن تقوم بين يدي من لا يعلم حتى تقول أتكلم بما أنوي ليعلم به، إنما تريد أن تقف بين يدي من يعلم ما توسوس به نفسك ويعلم متقلّبك وماضيك، وحاضرك. ولهذا لم يَرِدْ عن رسول الله ولاعن أصحابه رضوان الله عليهم أنهم كانوا يتلفّظون بالنيّة.
هذا والله أعلم
حامل القرءان بإذن الله
عدد المساهمات : 2 تاريخ التسجيل : 15/01/2011
موضوع: رد: حديث إنما الأعمال بالنيات الأحد 16 يناير 2011 - 13:46
[color=green] [size=24] السلام عليكم و رحمة الله و بركاته بسم الله ما شاء الله موضوع مميز و في القمة جعله الله في ميزان حسناتك و رفع قدرك و سقاك من حوض النبي و الصلاة و السلام على أشرف المرسلي[/size][/color]