مسلم وأفتخر
عدد المساهمات : 60 تاريخ التسجيل : 19/01/2011
| موضوع: أين نحن من استثمار المباح في رقي الكلمة الهادفة الأحد 20 مارس 2011 - 9:04 | |
| أين نحن من استثمار المباح في رقي الكلمة الهادفة سنتناولُ الموسيقى في بحثنا الآنَ لنرى كيفَ استطاعَ الفقهُ الإسلاميُّ أنْ يُعَالجَ قضيَّتَها الشائكةَ, وكيفَ تفهَّمَ ضرورةَ إدخالِها على النشيدِ الهادفِ, وكيفَ حدَّدَ موقفَه منها رفضاً أو قبولاً. والآن لستُ بصددِ استعراضِ آراءِ الفقهاءِ حولَ الموسيقى والغناءِ, وإنَّما بصددِ البحثِ عن المنهجِ الذي اتَّبعَهُ الفقهاءُ لدعمِ النشيدِ الهادفِ, والطريقةِ التي استُثمِرَتْ بها دائرةُ المباحِ الواسعةِ في الإسلامِ, وكيفَ زوَّدَته بفتاوى قدَّمَتْهُ على الغناءِ المبتذَلِ. يقولُ الدكتورُ يوسفُ القرضاوي:" ومنَ اللَّهوِ الذي تستريحُ إليهِ النفوسُ, وتطربُ له القلوبُ, وتنعمُ به الآذانُ: الغناءُ, وقد أباحَه الإسلامُ ما لم يشتملْ على فحشٍ أو خنَا أو تحريضٍ على إثمٍ, ولا بأسَ بأنْ تصحبَه الموسيقى غيرِ المثيرةِ" . إنَّ المتتبِّعَ لآراءِ الفقهاءِ حولَ الآلاتِ الموسيقيةِ, فإنَّه يرى اتفاقَ أكثرِهم على أنَّ حرمتَها ليستْ لعينِها, وإنَّما لاقترانِها بحرامٍ يجعلُها حراماً, يقولُ القرضاوي أيضاً:" ومن المتَّفَقِ عليه أنَّ الغناءَ يُحرَّمُ إذا اقترنَ بمحرماتٍ أخرى, كأنْ يكونَ في مجلسِ شربٍ أو تخالطُه خلاعةٍ أو فجورٍ, فهذا هو الذي أنذرَ رسولُ اللهِ , أهلَه وسامعيهِ بالعذابِ الشديدِ حين قال: (ليَشربنَّ أناسٌ من أمَّتي الخمرَ يسمُّونَها بغيرِ اسمِها, يُعزَفُ على رؤوسِهم بالمعازفِ والمغنِّياتِ يخسِفُ اللهُ بهمُ الأرضَ ويجعلُ منهمُ القردةَ والخنازيرَ) . وليسَ بلازمٍ أنْ يكونَ مسخُ هؤلاءِ للشكلِ والصورةِ, وإنِّما هو مسخُ النفسِ والروحِ, فيحملُون في إهابِ الإنسانِ نفسَ القردِ وروحِ الخنزيرِ." فإذا سلَّمنا بإباحةِ الموسيقَى على رأيِ بعضِ العلماءِ المعاصرين, كالدكتورِ القرضاوي, ومحمد الغزالي, وغيرهم من العلماء السابقين, كابنِ حزم, وأبي حامد الغزالي, فإنَّنا لا نسلِّمُ بالأسلوبِ الذي استخدمَه بعضُ الأخوةِ الناشئينَ الجُدُدِ في أكثرِ أغانيهم, فقد بدتْ بعيدةً عن طبيعةِ الذوقِ الإسلاميِّ وهويَّتِه, أو غارقةً بغيرها من الأذواقِ الفنيَّةِ المحظورةِ, فكما تُحرَّمُ الموسيقى إذا رافقَها محرَّمٌ شرعاً, فكذلك تبدو خطيرةً إنْ هي ضيَّعتْ هويَّتَنَا, وأدرجَتْنا في هويَّةِ غيرنا, وهُنا تكمُنُ خُطورةُ المسألةِ, إذ بضياعِ هويتِنا سنتخبطُ في ثقافاتٍ هي ليستْ من أصالتِنا, وبالتالي سنتطبَّعُ بطباعٍ هي ليستْ من حضارتِنا, وسنذوبُ في فنونٍ لا تنسجمُ مع مبادئِنا, وبذلك تتعطَّلُ أذواقَنا, فلا هي امتدادٌ لتاريخِ أجدادِنا, ولا هي تعبِّرُ عن مشاعرِنا, ولا هي تلامسُ أحاسِيسَنا, أو تقتربُ من آمالِنا وآلامِنا. ومن أهمِّ وظائفِ الموسيقى أنَّها تعبَّرُ عن ثقافةِ المجتمعِ, وطبيعةِ الكلمةِ التي يروِّحُ نفسَه بها, وصورةِ الترفيهِ فيه, ومما قيلَ في ذلك:" الموسيقى تأريخٌ وتوثيقٌ: إذ تُعينُ الدارسينَ على تحسُّسِ الملامحِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والثقافيةِ والروحيةِ في المراحلِ التي أُبدعَت فيها, إذ الموسيقى مرآةُ عصرهَا, وشاهدٌ من شواهدِه. فأنت إذا استمعتَ إلى الموشَّحاتِ الأندلسيةِ, تَحسُّ كأنَّك تسرحُ في قصورِ غرناطةَ من غرفةٍ لشرفةٍ, ومن فناءٍ لرياضٍ. وإذا استمعتَ إلى قصيدةٍ من قصائدِ فنِّ الملحونِ, تحسُّ كأنَّك تتجوَّلُ في أسواقِ وأزقَّةِ مراكشَ أو فاسٍ التقليديةِ. وتَسري في روحِك نفحةٌ من روحِ ذلك الزمنِ الذي كان يقتاتُ من أرواحٍ نقيَّةٍ أصيلةٍ طاهرةٍ لاهجةٍ بذكرِ الله, فكانت قصائدُ ذلك الزمانِ روحاً من أرواحِهم وقبساً من أنوارهِم ولا تزالُ. والموسيقى وسيلةٌ من وسائلِ التربيةِ: إنْ أُحسنَ توظيفُها كانت للنفوسِ كما يكونُ الوالدانِ والمربَّي والمدرسةِ والكتابِ, وإلاَّ صارت معولاً لهدمِ الأخلاقِ والقيَمِ والأرواحِ" . فإذا كانَ للموسيقى هذا الدورُ الخطيرُ, فإنَّ من الواجبِ أنْ نستثمَرَ إيجابيَّاتِها التربويةَ بشكلٍ موضُوعيٍّ لكي لا يُتركَ المجالُ لأيِّ سلبيةٍ من سلبياتِها الهدَّامةِ, أنْ تَتَغَلغَلَ في صفوفِ أبنائِنا. من هُنا فإنِّي أرى أنَّ الفُقَهاءَ ليسَ مهمَّتَهم أنْ يُصدروا فَتواهُم لمجرَّدِ سُؤالٍ يأتيهم من زيدٍ أو عَمروٍ, لأنَّهم ليسُوا صيادِلةً لصرفِ الدَّواءِ فقط, إنَّما هُم كالطَّبيبِ الذي يَملكُ خَياراتٍ كثيرةٍ من الأدويةِ, ولا يُعطِي إلاَّ ما يَراه مُناسِباً لحالةِ المَريضِ الذي بينَ يَديهِ. وهَذا مَا أتَمنَى أنْ ينتَبِه الفقهاء إليه أمامَ أيِّ فتوى تصدرُ عنهم, خصُوصاً في المسَائلِ الفِقهيةِ المعاصرةِ, فاختلافُهم في إباحةِ الموسيقى أو حرمتِها مثلاً, لم يقدَّم إلا ارتجالاً في استخدامِها, بل جرأةً وتمادياً ممن ليسوا مؤهَّلين فنيَّاً أو ذوقيَّاً لإدخالها على النشيدِ الهادفِ, فكانوا في برزخٍ هو أبعدُ ما يكونُ عن طهرِ كلماتِه, وأهدافِه. بل إنَّ بعضَ الناشئينَ الجُدُدِ قد اضطرُّوا إلى العاميَّةِ, وإبعادِ الكلماتِ الهادفةِ, لعدمِ قدرةِ جُمَلِهمُ الموسيقيةِ التي اختاروها أنْ تُعبِّرَ عن أغراضِ النشيدِ الهادفِ وأهدافِه, كمَا عبَّرت عنها كلماتُ وألحانُ روَّادِه ومُجَدِّدِيه من قبل. المنشد الإسلامي محمد منذر سرميني -أبو الجود- | |
|